الوقوع في حب الشركات التي تعمل بها .. ما بين السم والعسل
الوقوع في حب الشركات التي تعمل بها .. ما بين السم والعسل
العلاقة بين أي موظف ملتزم وشركة ناجحة كعلاقة الحب بين طرفين، لا بد أن تسير في كلا الاتجاهين لينتج عنها علاقة صحية سليمة يأخذ فيها كلاً منهما حقوقه ويؤدي واجباته على أكمل وجه، وقد ينتج عنها علاقة سامة، يستهلك فيها الطرف الأقوى الآخر بوعي أو دون وعي .. ليختل توازن ونجاح الطرفين بعد انتهاء العلاقة.. ويدخل كلاً منهما فترة التعافي للبدء من جديد في علاقة جديدة.
هناك علاقات حب صحية، وهناك بيئات عمل صحية.. هناك علاقات سامة تستنزف مجهودك وطاقتك، وهناك شركات تستغل مجهود موظفيها دون مقابل
هناك علاقة حب متوازنة بين الطرفين، وهناك شركات تعرف حقوقها وتؤدي واجباتها
هناك علاقات حب تعطيك حبوباً للشجاعة، وهناك شركات تحسّن من أداء موظفيها بل وتضاعفه أحياناً..
هناك علاقات حب انتحارية، وهناك شركات سامة تذهب بك إلى حتفك الوظيفي..
فهل تنطبق كل شروط علاقة الحب على علاقة الموظف بوظيفته؟
لنناقش الأمر
مرحلة الإعجاب بالقشرة الخارجية
أو فيما يعرف بحالة الانبهار ، الحالة التي تنتابك عند رؤية شخص بعينه يلمع في الزحام، يبهرك طريقته في تقديم نفسه، ربما شكله، ربما مركزه الاجتماعي والمادي، وربما لأنه الوحيد المتاح الذي يناسبك
ينبهر الموظف بشركة كبيرة تعلن عن حاجتها لشخص بمثل مواصفاته، يبحث عن تاريخها وحجمها فيجد أنها أفضل من توقعاته ، تلمع في عينه فرصة لن تتكرر وينبهر بالشركة دون سبب، ربما لحجمها في السوق ، ربما لعلامتها التجارية الضخمة ، ربما لاستقرارها المادي، أو بيئة العمل المشجعة، وربما لأنه لم يجد غيرها بعد
مرحلة إثارة الإعجاب لنيل القبول
في هذه المرحلة، ومن جهة الطرف “المبهر” فإنه يكون قد ضمن إعجابك بالفعل ولاحظ انبهارك بكل ما يفعله ويقدمه، ولم يتبق سوى أن تثبت له أنك جدير بثقته فإن فعلت ستكسب علاقة طويلة المدى مليئة بالفرص والإنجازات والحب.. أحياناً
ينتهي دور الشركة في إبهارك عند إعلان الوظيفة، ويبدأ دورك عند التقديم لها، فعليك بذل كل ما في وسعك كي تثبت أنك جدير بالثقة ليتم قبولك في الوظيفة، فإن قبلت ستبدأ علاقة مطولة بينك وبين الشركة مليئة بالفرص والإنجازات والحب.. أحياناً
مرحلة كشف العيوب
بعد مرور أشهر من الحب والانبهار والخروج يومياً ، تنكشف عيوب الطرف الآخر من تلقاء نفسها، حينها لن يصبح الأمر مجرد كلمات رومانسية وبعض الهدايا وإنما اختبار حقيقي يكشف مدى تحمل الطرفين لعيوب بعضهما البعض، والأهم.. هل سيستمرا أم ستكتب كلمة النهاية!؟
بعد مرور فترة تدريب الموظف وتعرفه على زملائه في العمل سواء من قسمه أو أقسام أخرى، تنكشف عيوب المكان شيئاً فشيئاً والتي بالمناسبة لا يخلو منها أي وظيفة، تنكشف جميعها تلقائياً واحدة تلو الأخرى، حينها لن يرى الموظف الأمر كفرصة لن تعوض مرة أخرى وراتب ثابت، وإنما سيكون هذا كاختبار حقيقي لمدى تحمله للعيوب التي انكشفت أمامه في مقابل عيوبه التي تقبل بها الشركة، والأهم من ذلك.. هل سيستمر في العمل؟ أم يفكر بفرص أخرى مبهرة؟
مرحلة القرار
قد نال الحبيب الكثير من كلمات الحب والهدايا والمكالمات الليلية الطويلة، وجرب كل ما قد افتقده في كونه بعلاقة رومانسية وجاءت الآن لحظة الحسم.. بعد رؤيته لبعض العيوب القاتلة، هل سيستطيع تحملها وحده؟ هل ستزداد سوءاً مع مرور الوقت؟ هل سيتأقلم فيما بعد؟
وفي حالة رفضها وأنهى العلاقة فهناك عدة مخاوف، هل سيستطع القدوم على علاقة جديدة؟ هل سيشعر بمثل تلك المشاعر مجدداً؟ هل سينال نفس الفرص؟ أم أنه مجرد قرار متهور؟
يصل الموظف بوظيفته إلى مرحلة الحياد في هذه النقطة، المرحلة التي يتساوى فيها الانبهار مع الضغط، وتصبح مميزات الوظيفة كلها في كفة، وراحة الموظف واستقراره في كفة فأي الكفتين أثقل؟
: هنا تختلف الاحتمالات المجهولة.. وعلى الموظف أن يختار الحل العقلاني أو الحل الأكثر راحة
الحل العقلاني: أن يستمر في الوظيفة إلى أجل آخر، أن يتحمل المزيد من الأذى النفسي تماماً كالواقع في علاقة حب سامة، تستهلكه الوظيفة بساعاتها الثمانية التي يسعى فيها أن يؤدي أكبر قدر ممكن من المهام التي عليه، فإذا تأخر لحظات أو ساعات وأنجز نفس القدر من مهام العمل، عوقب بخصم أنصاف الساعة وكوفئ بالمزيد من العمل!
الحل الأريح: أن يستمع إلى راحته النفسية وأحياناً الجسدية التي تخبره بضرورة إنهاء هذه المهزلة على الفور، أن يتخلص من سم الوظيفة من كل خلية بجسده مقابل بعض التنازلات المادية وأوقات الفراغ، حينها سيأخذ وقتاً مطولاً في التعافي من هذه العلاقة السامة، سيأخذ وقتاً لينسى بعض الأشياء مثل: استهزاء البعض بعمله، عدم تقدير مجهوده، عدم الاكتراث برحيله أو وجوده، وثقته التي وضعها من البداية بشكل كامل في مكان لم يترك فرصة لاستغلاله إلا ! واقتنصها.. سيفكر في كل هذا مجدداً قبل أن يقدم على وظيفة أخرى
هناك بعض الحلول الوسطية التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، مثل التفاوض في العلاقة بين الطرفين، مناقشة العيوب ووضع حد لها، الشكوى، واللامبالاة.. ولكن لأنها حلول غير مرضية لكلاً من الطرفين ولا ينتج عنها أي تغيير فلن نناقشها.. فكما لا يتغير الأشخاص من أجل بعضهما البعض مطالبين بالتقبل الكامل لكل عيوبهما .. لا تتغير الشركات، ولا يناسبك منها إلا ما كان يعجبك في البداية.. أما عن الذي اكتشفته بالداخل فلا حل له سوى التنازل أو الرحيل
لا نستطيع الإنكار أن هناك علاقات صحية للغاية وموظفون سعداء ومنتمون إلى عملهم بكامل قواهم العقلية، هناك حب يدوم حتى الزواج والمشيب، وهناك وظائف تسعد الجميع حتى نهاية الطريق الذي وضعه لنفسه.
: وسريعاً في النهاية دعنا نلخص نصائح لعدم الوقوع في حب شركات سامة
اعلم أن وراء كل مكان عمل بعض العيوب الملتصقة به منذ بدايته، ربما في ازدياد سُمك قشرة الانبهار الخارجية .. فانظر بعين ناقدة، وتربص العيوب قبل أن تلتصق بك
كما يحوّل الحب أطرافه إلى كتل معقدة من الأذى النفسي ، قد يفعل العمل الأمر ذاته.. حاول تحليل بيئة العمل منذ البداية حتى إذا رحلت كنت فارغاً من أي تخوفات مستقبلية
تعلم من علاقاتك السابقة: فكما تركت عملك لأسباب محددة لا تعود لتواعد نفس الشركات وتقع بالحب مجدداً.. كن حريصاً في تعلم الدروس السابقة وكن مستعداً للدروس القادمة
الأحبة يرحلون فكن راحلاً جيد: كذلك الأمر في العمل، فاعلم أنك لن تمكث حياتك كلها في شركة واحدة حتى وإن كانت جيدة، هناك تغيرات كبيرة قادمة في الطريق إليك فكن مستعداً لها واحرص على ترك بصمة بكل مكان تعمل به
الوقوع بالحب مجرد وسيلة وليست غاية: لذا اعمل على أشياء أخرى تفضلها خارج نطاق العمل، لا تهمل أصدقائك ولا تدفن موهبتك فقط لتلف في ساقية الموظفين .. الوظيفة مرحلة طويلة كانت أو قصيرة ولكنها في النهاية مرحلة تأهيل.. لا تبالغ في حجمها ولا تقلل من أهميتها.. فقط عشها.. تماماً كقصة الحب.. فمهما كانت النهاية سعيدة أو مؤلمة، فإن أفضل جزء ما بين الانبهار والنهاية.. فأحسن كتابته
يقولون أن أفضل نصيحة للحب ألا تقع في الحب من الأساس، وربما ينطبق الأمر ذاته على الشركات، فمهما كان العمل مريحاً وممتعاً فإنه لديه قدرة خارقة على الاستغناء عنك وقتما يظهر شخصاً أفضل. فلا تقع بحب الشركات التي تعمل بها ما دامت لا تمت لك بأي صلة
No Comments